الحديقة الاسلامية _ALHADEQA ISLAMIC
اهلا وسهلا بيك (ي) في منتداك وان شاء الله تجد (ي) ما ينفعك (ي) وشكرا لزيارتك (ي) تحياتي
بارك الله فيكم

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

الحديقة الاسلامية _ALHADEQA ISLAMIC
اهلا وسهلا بيك (ي) في منتداك وان شاء الله تجد (ي) ما ينفعك (ي) وشكرا لزيارتك (ي) تحياتي
بارك الله فيكم
الحديقة الاسلامية _ALHADEQA ISLAMIC
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
دخول

لقد نسيت كلمة السر

المنتدى
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 4 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 4 زائر

لا أحد

[ مُعاينة اللائحة بأكملها ]


أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 13 بتاريخ الثلاثاء مارس 14, 2023 3:41 pm
تصويت
مكتبة الصور


في الطـب الإسلامـي Empty
التبادل الاعلاني
احداث منتدى مجاني

أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
جمال الجزائري
في الطـب الإسلامـي Vote_rcapفي الطـب الإسلامـي Voting_barفي الطـب الإسلامـي Vote_lcap 
محمد الجزائري
في الطـب الإسلامـي Vote_rcapفي الطـب الإسلامـي Voting_barفي الطـب الإسلامـي Vote_lcap 
الاقصى
في الطـب الإسلامـي Vote_rcapفي الطـب الإسلامـي Voting_barفي الطـب الإسلامـي Vote_lcap 

القرأن الكريم
الاقصى

فيس بوك
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية

تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية reddit      

قم بحفض و مشاطرة الرابط محمد الجزائري والحديقة الالكترونية على موقع حفض الصفحات

قم بحفض و مشاطرة الرابط الحديقة الاسلامية _ALHADEQA ISLAMIC على موقع حفض الصفحات

تدفق ال RSS


Yahoo! 
MSN 
AOL 
Netvibes 
Bloglines 



في الطـب الإسلامـي

اذهب الى الأسفل

في الطـب الإسلامـي Empty في الطـب الإسلامـي

مُساهمة من طرف جمال الجزائري الجمعة ديسمبر 03, 2010 10:33 am

في الطـب الإسلامـي




1 ـ الإسلام والطبّ :
لم يحظ علم من العلوم العقليّة بما حظي به الطبّ من الاهتمام بين المسلمين . ولقد رفعوا من شأنه حتى عدّوه " فقهًا "، إذ الفقه فقهان : فقهُ الدّين وفقه البدَن . ولقد زكّى منـزلتَهُ عندهم كوْنهُ ضروريّا للإنسان ضرورة مُطْلقة، ثم كوْنُه لا يخالفُ الشريعة؛ بل إن الشريعة قد حثت على الإفادة منه . ولقد كان الرسول صلى الله عليه وسلّم يأمُرُ " بإتيان الأطبّاء ومسألتهم عمّا بيْن أيْديهم " (1)، ولَه أحاديث دالة على إجازة التطبّب وإطلاقه، منها قوله " ما أنزَل اللهُ من داءٍ إلاّ أنزلَ لَه شفاءً " (2)، وقوله " أنزَلَ الدواءَ الذي أنزلَ الدَّاءَ " (3)، وكان على صلة بطبيب عاصَره هو الحارث بن كلدة الثقفي ( ت . 13 هـ / 634 م ) (4) . وكانت له هو نفسه أقوال وآراء في المرض والعِلاج، قد كوّنت مَا سمّي بـ " الطبّ النبوي " .
على أن " الطب النبوي " ليْس من الوَحْي ، فإن الرسول ـ صلى الله علي وسلم ـ قد بعث لتعليم " الشرائع، ولمْ يبْعث لتعريف الطبّ ولا غيره من العاديات " (5 )، وليس هو بالعلم القائم على المبادئ والقوانين النظرية والعملية . بل هو ممّا وقع للرسول بالاكتساب من التجربة العامّة . ولذلك فإنه يصعب أن
نتحدث عن " طبّ إسْلامي " في القرن الأوّل الهجري بالمفهوم العلمي للطبّ .

_________________________
(1) ينظر : أبو داود سليمان ابن جلجل : طبقات الأطباء والحكماء، تحقيق فؤاد سيد، المعهد العلميّ الفرنسيّ للآثار الشرقية، القاهرة، 1955، ص 54 .
(2) ينظر : ابن قيّم الجوزية : الطبّ النبوي، تحقيق عبد الغني عبد الخالق، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة، 1957 ، ص 8 و 106. والحديث في الصّحيحيْن .
(3) المرجع نفسه، ص 105؛ وابن جلجل : طبقات الأطباء، ص 54 .
(4) ينظر حول صلة الرسول بالحارث بن كلدة : ابن جلجل : طبقات الأطباء، ص 54؛ جمال الدين القفطي : تاريخ الحكماء، تحقيق يوليوس لبّر، ليبزيغ، 1903، ص ص 161 ـ 162؛ أبو العباس أحمد بن أبي أصيبعة: عيون الأنباء في طبقات الأطباء، تحقيق أوغست ملّر ـ المطبعة الوهبيّة ، القاهرة، 1299 هـ / 1882 م ( جزآن )، 1/109 ـ 113 .
(5) ينظر : عبد الرحمان بن خلدون : المقدمة ط . 2، مكتبة المدرسة ودار الكتاب اللبناني، بيروت، 1961، ص 919 2 ـ حركة النّشأة، أو مَرْحَلَةُ التّأسيس :
عند ما ظهر الإسْلاَم في أوائل القرن السّابع الميلادي كان للطبّ مركزان علميان يعلّم فيهما ويمارس : الأوّل هو مدرسة الإسكندرية بمصر؛ والثاني هو مدرسة جنديسابور ببلاد فارس . ولم يوجّه العرب اهتمامهم إلى هذا " الطبّ الأعجمي " طيلة العصر الراشدي ثم عصر بني أميّة . ولا شك أنّ عصبيّة بني أميّة العربية الخالصة ومناهضتهم للعجم والعُجْمة ـ ولهم في ذلك مواقف من الموالي مشهورة ـ كانا سببين رئيسيين لضعف اهتمام مهم بعلم الطبّ . وقد كان من نتائج ذلك الضعف إن لم يلحقوا ببلاطاتهم أطباء عجما خاصين بهم ولم يشجّعوا على ترجمة المؤلفات الطبية إلى العربية، مثلما سيفعل بنو العباس من بعدهم . على أن ذلك لم يمنع ظهور بعض الأطباء في عصرهم، وترجمة أحد الكتب الطبية الاسكندرانية المهمّة، وانتشار المبادئ الطبية " الحديثة " بيْن الناس .
أمّا الأطباء فنعرف أسْماء ثلاثة منهم . اثنان كانَا بالعراق مع الحجاج بن يوسف الثقفي، هما تيادُوق ( ت . حوالي 90 هـ / 709 م )، وقد كان له تلاميذ منهم من أدْرك الدولة العبّاسيّة، ثم تَاوْدُون، وقد ألف في الطبّ لابنه كناشا كبيرًا، وهذان الطبيبان كانَا مسيحيّيْن ( 6)؛ وأمّا الثالث ـ وهو أشهرهم ـ فهو مَاسَرْجُويْه ـ ويقال ماسَرْجِيس أيضا ـ اليهُوديّ السّرْيانيّ البصْريّ . وقد عَاش في القرن الأوّل الهجري أيْضًا (7)، وألّف كتبًا طبيّة (Cool.

_________________________

_________________________

وأمّا الترجمة فهي نقل مَاسَرْجويْه لكتاب " الكناش " في الطبّ من السّريانية إلى العربية، والكناش كتابٌ ألفه باليونانية طبيب اسكندراني قد عاش في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، اسمه أهْرن القس (9) . وقد نقل ماسَرجويْه الكتاب إلى العربية أثناء حكم مروان بن الحكم ( 64 هـ / 684 م ـ 65 هـ / 685 م ) . وهو في ثلاثين مقالة قد أضاف إليها مَاسرجويْه مقالتيْن .
وأمّا انتشار المبادئ الطيبة " الحديثة " بيْن الناس فنستدلّ عليه بملاحظتيْن استخلصناهما من شعر الحكم بن عبْدل الذي عَاش في النصف الثاني من القرن الأوّل الهجري وبدايات القرن الثاني. فقد أورد له الجاحظ في كتاب الحيوان قصيدتيْن في هجاء والي الخراج على الكوفة محمد بن حسّان بن سعد، في أيام والي البصرة عبد الملك بن بشر بن مروان، سنة 102 هـ/ 720 م ـ 721 م. والملاحظة الأولى هي ذكر ابن عبْدل لأهْرُن القسّ في إحدى القصيدتيْن . فقد قال :

"لا تدْنِ فاك من الأمير، ونَحِّهِ حتى يُدَاوِيَ مَا بأنفك أَهْرُنُ "(10)
وفي هذا الرجوع إلى " مداواة أهرُن " دلالة على شهرة ترجمة كتاب " الكُنّاش " ومعرفة البيئة التي عاش فيها الشاعر ـ وهي بيئة عراقية وشاميّة ـ بقيمته؛ والملاحظة الثانية هي ظهور مفهوم "الوَصْفَة الطبيّة ". فقد هجا ابن عبدل محمد بن حسّان في قصيدة ثانية داليّة مطوّلة (11) نصحه فيها بدواء نافع لنتن الفم، يركّب من عقاقير طبيّة مفردة ( مثل الحلتيت والكراث والثوم وبزر الفقد )، بأن تدقّ وتُنْخَل ثم تعجن بحسب أوزان مقدرة ( ذكر منها وزن الشعيرة والمثقال)، ثم تتخذ منها بنادق فتزدرد . وليست " المفاهيم الطبيّة " التي اشتملت عليها قصيدة ابن عبدل بالمفاهيم القديمة إذ لا نجد لها أثرا عند سابقيه أو معاصريه من الشعراء ، بل هي مفاهيم مستحدثة لا شك أن لترجمة كناش أهْرُن القس ولمؤلفات مَاسَرجويْه دَورًا في انتشارِها .
_________________________
على أن الظواهر الثلاث التي ذكرْنا لا تدل على أنّ الطبّ قد ارتقى إلى مرتبة " العِلْم " بيْن المسْلمين . فإن ذلك لم يتحقق إلا في النصف الأوّل من القرن الثالث الهجري / التاسع الميلاديّ، وقد هيّأت له عوامل، أهمّها خمسة :
(1) قبول بني العبّاس في أوّل دولتهم ـ خلافًا لبني أميّة ـ للعُجْمة وتقريبهم للعجم . فإن عصَبيّتَهُم لم تكن عربية خالصة . وقد استعانوا في قيام دولتهم بالعجم ثم أشركوا معهم العجم في السلطة فكانوا وزراءهم، وأرادوا أن يتشبّهوا في حكمهم بالعَجم وأخذوا ببعض عاداتهم في نظام الحكم والسلوك (12) .
(2) استقدام الأطباء العجم من مدرسة جنديسابور ببلاد فارس واتخاذهم أطبّاء بلاط . ونخص بالذكر من أولئك الأطباءِ ثلاثة من آل بـختيشوع قد استقدمُوا كلّهم في القرن الثاني الهجري / الثامن الميلادي : (أ) جورجيس بن بـختيشوع ( ت . 152 هـ / 769 م ) الذي كان رئيس الأطباء في جنديسابور . وقد استقدمه أبو جعفر المنصور سنة 148 هـ / 765 م (13) فخدمه بالطب؛ (ب) بـختيشوع بن جورجيس ( ت . 185 هـ / 801 م ) . وقد خلف أبَاهُ في رئاسة الطبّ بجنديسابور ؛ استقدمه المهديّ أوّلا لكن المقام لم يطل به؛ ثم استقدمه الرشيد سنة 171 هـ / 787 م فخدمه بالطبّ حتى وفاته (14) ؛ (ج) جبرائيـل بن بـختيشوع بن جورجيس ( ت. 213 هـ / 828 م (. وقد استقدم في عهد هارون الرشيد سنة 175 هـ / 791 م لخدمة جعفر بن يحيى البرْمكي، ثم أصْبح طبيب الرشيد فالأمين فالمأمون من بعده .
(3) تأسيس " بَيْت الحِكْمة " ببغداد . وقد أَسّسه المأمون سنة 215 هـ / 830م، وَألحَق به مكتبة ومرصدًا فلكيّا، وجمّع في المكتبة الكتب اليونانية المستجلبة من أماكن مختلفة إمّا تابعةٍ للدولة الإسلاميّة وإمّا من بلاد الروم، وخاصّة من آسيا الصغرى . وقد أرسل في سبيل ذلك البعثات من العُلماء (15) .

_________________________________________________
(4) حركة الترجمة . وقد نشطت في أوائل القرن الثالث الهجري وخاصّة في بيت الحكمة. وكان القائمون بها من المترجمين يعنون بعلوم كثيرة لكن الطبّ كان أحْظى منـزلة . وقد سَاعد على ازدهار حركة الترجمة عاملان : (أ) كوْنها مشرُوعًا من مشاريع الدوْلة لأنها ـ ممثلة في الخليفة المأمون ـ هي التي حثت عليْها وأنفقت من أجْلها المال الكثير؛ (ب) دور الخواصّ في تلك الحركة. فقد دعم عمل الدولة بعْض العائلات التي كانت تستجلب هي أيضا الكتب الأعجمية من بلاد الروم وتغدق المال على ترجمتها . ومن أشهر تلك العائلات عائلة بني شاكر المنجّم؛ فقد " كانوا يرزقون جماعة من النَّقَلَة، منهم حنين بن إسحاق وحبيش بن الحسن وثابت بن قرّة وغيرهم، في الشهر خمسمائة دينار للنقل والملازمة " (16) .
وقد استقام الطبّ ـ في النصف الأول من القرن الثالث ـ علمًا مكتمل العنَاصر واضحَ الملامح، وقد دلت على اكتمال تلك العناصر المؤلفات الأولى التي وضعت بالعربيّة في تلك الفترة مثل مؤلفات يوحنا بن ماسويه ( ت . 243 هـ / 857 م ) وعلي بن ربّن الطبري ( ت . بعد 240 هـ / 855 م ) وحُنَيْن بن إسْحاق ( ت 260 هـ / 873 م ) . والناظر في تلك المؤلفات وفي المصادر التي تأسّست عليْها ـ وهي الكتب الطبيّة التي نقلت إلى العربية ـ يُلاحظ ما كان للعَالمين اليونانييْن إبقراط وجالينوس من أثر حاسِم رغم مَا كان بينهما من اختلافٍ في المذْهَب .
فإن الطبّ عند كليهما كان يقوم على التجربة والقياس . لكن التجربة عند إبقراط كانت أغلب من القياس (17)، والقياس عند جالينوس كان أغلب من التجربة . ولذلك فإن الطبّ عند إبقراط كان طبّا خالصًا لأنه لم يخرج عن الأمراض وأسبابها وعلاماتها وأنواعها وعلاجها وحفْظ الصحّة منها . والناظر في مؤلفات إبقراط يلاحظ غلبة الملاحظات السريريّة عليْها سواء في الحديث عن الأمراض أو في الحديث عن أحوال المرْضى . وقد بنى على تلك الملاحظات استنتاجات علميّة دقيقة في تشخيص المرَض وفي علاجه . ومنطلقه في الاستقراء والاستنتاج ـ سواء في البحث عن المرض أو في البحث عن علاجه ـ هو المريض ذاته باعتباره فرْدًا تشترك في إحداث المرض فيه عوامل ذاتيّة وعوامل موضوعيّة، ولم يعتمد من العلوم الأخرى في البحث الطبّي إلاّ على علم واحدٍ هو علم النجوم لأنّه يمكنه من معرفة الأزمنة وانقلاب فصول السنة وآثار ذلك في الأمراض التي تصيب النّاس، وهذا المذهب كما يُلاحظ أقرب إلى التجربة والاختبار منه إلى القياس والاستدلال العقليّ .

_________________________
(16) ا____________

أمّا جالينوس فقد كان يَرَى في الطبّ جزءً ا من الفلسفة ويرى أنّ الطبيب الفاضل فيْلسوفٌ. وقد كان من آثار هذا المَنْحَى أن غلب عليه الأخذ بالقياس في الطبّ . والقياس الذي أخذ به هو القياس الذي وضع أرسطو قواعده . وقد عبّر جالينوس في مواضع كثيرة من كتبه (18) عن ميله إلى القياس في الطبّ وتقديمه على التجربة . فإن التجربة ممّا يحتاج إليه الطبيب لا محالة لكن تطبيقها في كل الناس غير ممكن .لذلك وجب على الطبيب أن يكون ذا معرفة بأُصُول القياس فيستطيع حمل القليل على الكثير والاستدلال بالجزئيّ على الكليّ باعتبار صحّة المتواتر من الظواهر والعلامات على صحّة القليل منها . وقد جوّز لذلك استعمال الافتراض الذي لا يُنْتَهى إلى إثباته بالاستقراء والاختبار بل بالقياس والاستدلال العقليّ . وقد جعل جالينوس ـ بمذهبه هذا ـ الطبَّ علمًا تابعًا للفلسفة وأصبح الطبيب في نظره فيلسُوفا .
على أن مذهب جالينوس في هذه المرْحَلة التأسيسيّة كان أغلب وأعمق أثرًا . وترجع هذه الغلبة إلى أسبابٍ، منها العلميّ الخالص ومنها الموضوعيّ التاريخيّ . وأهمّ الأسباب العلمية : (أ) منـزلة جاليونس في تاريخ الطبّ القديم، وهي منـزلة يدلّ عليها هذا القول المنسُوب إلى الإسكندر الأفروديسي الذي كان مُعَاصرًا لجالينوس في القرن الثاني الميلادي وكان يعيب عليه اهتمامه بالفلسفة : " ليْس في المعمورة أحد ليس لجالينوس عليْه مِنّة " (19)؛ (ب) تنظيمهُ للعلم . فقد رتب أبوابه ونظم أقسامَه وصنّفَ فروعه واهتم بمختلف أجزائه وكان له فيها جميعًا مؤلفات

_________________________
شاهدةٌ بفضله وتميّزه؛ (ج) ربط الطبّ بالفلسفة، وقد كان ذلك يستهْوي الأطبّاء القدامى لأنه يخوّل لهُم الانتساب إلى الفلسفة فيُعَدُّوا مثل الفَلاَسفة حكماء (20) .
وأمّا الأسباب الموضوعية فأهمّها اثنان : (أ) تأخر جالينوس في الزمن بالنسبة إلى الأطباء اليونانيين وخاصّة بالنسبة إلى إبقراط الذي عاش في القرن الرابع قبل الميلاد . وقد مكنه ذلك من الإفادة من أعمال سابقيه ثم الإضافة إليْها . وقد تجاوزت شهرته ـ لذلك ـ حدود بلاد اليونان وهو حيّ وكان له أثر مباشر خارجها في الطبّ ومباحثه النظرية والتطبيقيّة؛ (ب) سيْطرة نظرياته ومنهجه على مدرسة الإسكندرية بمصر ثم على مدرسة جنديسابور ببلاد فارس، وقد كانت الأولى أوْضح أثرا في القرون الثلاثة التي سبقت الإسلام ثم في القرون الثلاثة التي تلته، وقد أثرت في مدرسة جنديسابور نفسها، فإن هذه قد أسّست في القرن السادس الميلادي .وقد كان للمدرستيْن تأثير عميق في المباحث الطبيّة العربية الإسلامية لأن كبار الأطباء وتراجمة النصوص الطبية في القرنين الثاني والثالث الهجريين كانوا من خريجِي مدرسة جنديسابور وكانوا قد تعلموا الطبّ على المنهج الذي أقرّه علماء الإسكندرية ومعلمُو الطبّ فيها، وهذا المنهج كان جالينوسيّا محْضًا لأنه قائم على مؤلفات جالينوس خاصّة .
وقد حدثتنا المصادر العربيّة (21) عن مادّة تدريس الطبّ في مدرسة الإسكندرية وعن المنهج المتبع في تبويبها . والمادّة المدرّسة كانت تقوم على أربعة وعشرين كتابًا : أربعة منها لأرسطو، من أجزاء كتاب المنطق، هي المقولات، والعبارة، والقياس، والبرهان؛ وأربعة لإبقراط، هي كتاب الفصول، وتقدمة المعرفة، والأمراض الحادّة، وكتاب الأهوية والبلدان والمياه . وهذه

__________________________
الكتب الثمانية كانت كالمدخل التمهيدي لدراسة الطبّ، أو هي المرحلة التحضيريّة حسب تعبيرنا الحديث؛ وأمّا الكتب الستة عشر الباقية فكلها لجالينوس، وهي التي عُرِفت في الثقافة العربيّة بجوامع الاسكندرانيين . وقد صنف هؤلاء تدريس هذه الكتب الجالينوسية إلى سبْع مَرَاتب تشتمل كل منها على تدريس كتاب واحدٍ أو أكثر .
وتتوزع الكتب بحسب المراتب كما يلي : (أ) أربعة كتب في المرتبة الأولى هي فرق الطبّ، والصناعة الصغيرة، والنبض الصغير، وكتاب إلى أغلوقن؛ (ب) أربعة كتب في المرتبة الثانية هي الاستقصّات، والمزاج، والقوى الطبيعية، والتشريح الصغير؛ (ج) كتاب واحد في المرتبة الثالثة هو العلل والأعراض؛ (د) كتابان في المرتبة الرابعة هما تعرّف الأعضاء الباطنة، والنبض الكبير؛ (هـ) ثلاثة كتب في المرتبة الخامسة هي الحمّيات، والبحران، وأيّام البحران، (و) كتاب واحد في المرتبة السادسة هو حيلة البُرْء؛ (ز) كتاب واحد في المرتبة السابعة هو تدبير الأصحّاء . ويلاحظ في المراتب ـ بحسب الكتب الموزعة عليها ـ تدرّجها : فالأولى مشتملة على مدْخل عامّ في الطبّ. فهي كالمقدمة العامّة أو التمهيد النظريّ في قسمي الطبّ النظريّ والعلميّ؛ والثانية في الأمور الطبيعية كالاستقصّات والقوى والأعضاء والمزَاج والأخلاط وما يتصل ببدن الإنسان من عوامل التغيير والاستحالة؛ والثالثة في الأمْرَاض وخاصّة في عللها وأسْبابها ومعرفَتها عن طريق القياس؛ والرابعة في علامات الأمراض في الأعْضاء الباطنة وكيفيّة التعرف عليها بالنبض خاصّة؛ والخامسة في الحُمَّيَات: نوبانها وأوقات انتيابها والتوقّي منها؛ والسادسة في قوانين العلاج. وهذه الرتب الأربع الأخيرة ( أي الثالثة والرابعة والخامسة والسادسة ) كلها في الأمراض من حيث الأسباب والعلامات والتشخيص والمداواة؛ والمداواة من قسم الطبّ العمليّ لكن قوانين العلاج كانت قائمة على القياس؛ والمرتبة السّابعة في حفظ الصحّة .
وهذا المنهج الأسكندراني في تدريس الطبّ هو الذي اتُّبِعَ في مرحلة التأسيس الإسلامية لعلم الطبّ . ونحن نجد آثاره واضحة في كتاب " المسائل في الطبّ للمتعلّمين " لحنين بن إسحاق مثلا، وقد كان ذا شأنٍ كبير في تدريس الطبّ بعد مرحلة التأسيس، لمنهج تأليفه التعليمي الخالص. والكتاب مقسّم إلى سبع مقالات ـ سميت في النص المنشور فصُولا ـ فكان الفصل الأوّل في كليات الطبّ، والمنطلق في تحليلها تقسيم الطبّ إلى جزئيْن نظري وعمليّ وتقسيم النظري إلى نظر في الأمور الطبيعية ونظر في الأسباب ونظر في الدلائل والعلامات. وقد اكتفى حُنيْن في الفصل الأوّل بتحليل الأمور الطبيعيّة؛ والفصل الثاني في علم الأمراض؛ والفصل الثالث في الأسباب؛ والفصل الرابع في الدلائل والعلامات؛ والفصل الخامس في علم العلاج؛ والفصل السادس في الأدوية المفردة والأدوية المركبة . أي في الوسائل التي تحفظ بها الصحّة؛ والفصل السادس في النبض، ومسائل هذا الفَصْل ممّا يدخل في الحقيقة في الدلائل والعلامات، ويبدو أنه ليس من تحرير حنين بل من إضافة حبيش بن الحسن الأعْسم .
ولم ينحصر تأثير تصور الاسكندرانيين الجالينوسي لعلم الطبّ في منهج التدريس في مرحلة التأسيس بل شمل التأليف في المادة العلمية أيْضًا. ونستدلّ على ذلك التأثير بكتابيْن جليليْن من كتب تلك المرحلة، هما كتاب فردوس الحكمة في الطبّ لأبي الحسن علي بن ربّن الطبري ـ وقد انتهى من تأليفه سنة 235 هـ / 850 م ـ والكتاب المنصوري في الطبّ لأبي بكر محمد بن زكرياء الرازي ( ت . 313 هـ / 925 م ) ، وقد ألفه في آخر القرن الثالث لأنه أهداه إلى الأمير منصور بن إسحاق بن أحمد بن أسد حاكم الري من سنة 290 هـ / 902 م إلى سنة 296 هـ / 908 م .
وفردوس الحكمة للطبري مقسّم إلى سبْعَة أنواع تُذَكِّرُ بتبْويب الاسكندرانيين السباعي للمادة الطبية الجالينوسية . وقد زاد الطبري أبواب كتابه تفْصيلا فقسّمها إلى مقالات وقسم المقالات إلى أبْواب . والنوع الأوّل فيه مقدمات عامّة هي إلى الفلسفة والعلم الطبيعي أقربُ . فقد بدأه بالحديث عن الهيولى ـ أي المادّة الأولى ـ وانتهى بتكوين الحيوان؛ والنوع الثاني في الأمور الطبيعية والقوى والأمزجة وما يتصل ببدن الإنسان من عوامل التغيّر والاستحالة؛ والنوع الثالث في الاغتذاء والأغذية من حيث أقدارها وأنواعها وقوامها وما يتولد منها؛ والنوع الرابع في الأمراض بحسب الأعضاء الظاهرة والباطنة وفي معالجتها؛ والنوع الخامسُ في خواصّ الأشياء، فهو كالمقدمة للحديث عن المواليد الطبيعية المتخذة في الأدوية؛ والنوع السادس في الأدوية المفردة والمركبة وفي السموم والترياقات الصالحة لها؛ والنوع السابعُ في حفظ الصحّة عامّة وفي التدْبير الصالح بحسب البلدان والفصول. وتَنَـزُّلُ أنواع الكتب السبعة في مراتب الطبّ الأسكندرانية السّبْع ظاهر غير خفيّ .
وأمّا الرازي في الكتاب المنصوري فقد خرج عن التقسيم السباعي إذ قسم مادة الكتاب إلى عشر مقالات . لكن المقالات العشر قد حافظت على كثير من عناصر المراتب الأسكندرانية الجالينوسية . فإن المقالتين الأولى والثانية منه في الطبّ النظري وقد سمّى المؤلف أولاهما " المدْخَل في الطبّ " (22) . وقد غلب في المقالة الأولى القوْل في الأعضاء الباطنة وفي المقالة الثانية القوْل في المزَاج. والمقالات الثماني الباقية في الطبّ العمليّ . لكن منها ما يتنـزل في المراتب السبع ومنها ما يخرج عنها . والمقالات المندرجة في التصوّر الجالينوسي هي الثالثة ـ وموضوعها قوى الأغذية والأدوية، فهي في قوانين العلاج ـ والمقالة الرابعة وموضوعها حفظ الصحّة، والمقالة التاسعة وموضوعها الأمْراض من القرْن ـ أي الرأس ـ إلى القدم، والمقالة العاشرة، وموضوعها الحمّيات . وأمّا المقالات الخامسة والسادسة والسّابعة والثامنة ففيها إضافات سنرجع إليْها بعد قليل .

________________________

وإذن فإن الطبّ العربيّ الإسلامي قد قام في مرحلة تأسيسه على مصادر يونانية وخاصة على الطبّ الجالينوسيّ . وقد أثر المذهب الجالينوسي في مبادئ العلم إذ رُبط الطبّ بالفلسفة، وفي مادّة العلم إذ قسم الطبّ إلى جزء نظري وجزء عمليّ وأُخِذَ جُلّ العناصر المكوّنة للجزئين من كتب جالينوس، ثم في منهج تدريس العلم إذ اعْتُمِدَ المنهج الاسكندراني الذي كان جالينوسيّ المنـزع . وليس ذلك كله بدال على نقص في التأسيس أو على عيْب فيه . فإنّ لكل علم إذا تأسَّس مصادره التي ينطلق منها ويعتمد عَليْها . وإذْ أن المؤسّسين للطبّ العربي الإسلامي كانوا جنديسابوريين متأثرين بالطبّ اليوناني وخاصّة بجالينوس، فمن البديهيّ أن يكون الطبّ اليوناني ـ وخاصّة الجالينوسي ـ النموذج الذي يحذو الطبّ العربيّ الإسلاميّ حَذْوَه .
على أنّ الطبّ العربيّ لم يبْق منحصرًا في النموذج اليوناني الجالينوسي، وقد لاحظنا خروجه عنه في مرحلة التأسيس ذاتها . ويمكن أن نذكر أرْبعة مظاهر قد تبيّنت فيها مخالفة العرب للنموذج الجالينوسي :
(1) توسيعُ القول في المراتب السّبع بإضافة عناصر جديدة إليْها . ونكتفي في الاستدلال على ذلك بأربع مقالات من الكتاب المنصوري للرازي قد خرجت عن تلك المراتب، هي الخامسة وموضوعها " الزينة " ومن مسائلها الشعر وما يطرأ عليه وما يصيبه وما يصلحه، وفي لون البشرة وما يُغيّره، وفي الثآليل وبخر الفم ونظافة الأسنان والمحافظة عليها من السقوط، وفي السمنة وما يقلل منها؛ ثم المقالة السادسة وموضوعها في تدبير المسافرين، أي في ما يصلح للمسافرين في سفرهم من التدبير الطبّي . ومن مسائلها الاحتراس من الحرّ ومن السموم، وتدبير السّفر في البرد والثلج الكثير وعلاج الإصابة بالبرد، وفي التعب والإعياء وعلاجهما، ودفع ضرر اختلاف المياه ورداءَ تها، وتدبير ركوب البحر؛ ثم المقالة السابعة وموضوعها جبْرُ الأعضاء، وهي في عمل اليد وخاصّة في الجراح والقروح والكسور؛ ثم المقالة الثامنة وموضوعها السمُوم وعلاجها .
(2) التأليف في مواضيع مفردة لم يهتمّ بها جالينوس أو لم يعمّق القوْل فيها . ومن أمثلة ذلك تأليف يوحنا بن مَاسويْه كتابًا " في الجذام لم يسبقه أحد إلى مثله " (23)، وتأليف حنين بن إسحاق كتابًا في " الأغذية على تدبير الصحّة لم يسبقه إليه أحد " (24)؛ وتأليف إسحاق بن عمران ( ت . 279 هـ / 892 م ) كتابًا في " داء الماليخوليا لم يُسْبَق إلى مثله " (25)؛ وتألِيف أبي بكر الرازي كتابًا " في الجدري والحصْبة " وكتابًا في " القولنج " .
(3) التأليف في نقد جالينوس والردّ عليْه . وللرازي في ذلك كتابٌ عنوانه " الشكوك على جالينوس " (26)، ولم يصلنا هذا الكتاب . ولا شكّ أن الإقدام على تأليفه يعدّ في حدّ ذاته جرأة علميّة في وقت كانت الغلبة فيه للطبّ الجالينوسي .
(4) الأخذ عن نموذج آخر غير النموذج اليوناني. فإن العرب لم يكْتفوا بالأخذ عن الطبّ اليوناني بل أخذوا عن الطبّ الهنديّ أيْضًا، وقد كانوا مدركين لما بيْن النموذجيْن من الاختلاف وأرادُوا الجمع بيْن محاسن الطبّيْن . ولنا على اعتماد الطبّ الهندي في مرحلة التأسيس شاهدان : الأوّل هو وجود طبيبيْن هنديّيْن قد مارسَا الطبّ الهندي في بلاط الرشيد . أوّلهما هو صالح بن بهلة، وقد كان في " العلم بطريقة أهل الهند في الطبّ مثل جبرائيل [ بن بـختيشوع ] في العلم بمقالات الروم " (27)، وثانيهما هو مَنَكَة الهندي، وقد استجلبه الرشيد إلى بغداد لمعالجته (28) ونقل كتبا من الهندية إلى العربية (29) . والشاهد الثاني هو اعتماد ابن ربّن الطبري في فردوس الحكمة على الطبّ الهنديّ اعتمادا مقصودًا . فقد استطرد في النوع السابع استطرادًا مهمّا فيه تنبيه إلى أن النظر في الطبّ لا ينحصر في ما انتقل إلى العرب من اليونانيين بل إن في الطبّ مذهبًا آخر هو مذهب أهل الهند . وقد خصّص له الأبواب الستة والثلاثين المكونة للمقالة الرابعة ـ وهي الأخيرة ـ من النوع السابع (30) .

_________________________20 .
_________________________

3 ـ مرحلة التأليف والابتكار :
وهي تمتد على خَمْسَةِ قرون على الأقل، من أوّل القرن الرابع إلى منْتَصَفِ القرن التّاسع الهجريّيْن، (من العاشر إلى الخامس عشر الميلادييْن )، ويمكن عَدُّها في تاريخ الطبّ عامّة مرحلة الطبّ العربيّ الإسْلاميّ . فقد كان النموذج الذي سَاد في تلك المرحلة هو ا لنموذج الطبّي العربي الإسلامي، بمقولاته ومفاهيمه ومصطلحاته ومبادئه وقوانينه . ونريد أن ننظر فيما يلي في خصائص هذه المرحلة . ونريد أن نعنى في النظر إلى تلك الخصائص بمسألتيْن : هما (1) المبادئ العامّة؛ (2) مادّة العلم .
3 ـ 1 o المبادئ العامّة:
لقد تواصل في هذه المرحلة ـ في القرنين الرابع والخامس على الأقل، في المشرق خاصّة ـ ربط الطبّ بالفلسفة وتقسيمُه إلى كليّات وجُزْئيات .وقد أكد ابن هنـدو ( ت . 420 هـ / 1029 م ) في " مفتاح الطبّ " تلك الصلة في أكثر من موْضع، منها قوله " إن جالينوس لتعظيمه أمْر الطبّ، جعل الطبيب فيلسوفا (…) . إن الفلسفة عامّة محتوية على الطبّ وغير الطبّ، وهي التي تسمّى صناعة الصناعات، كما يقال أمير الأمراء وقاضي القضاة إذ كان الطبّ نظريّا وعمليّا. والنظري يبحث عنه الفيلسوف من حيث هو باحث عن حقائق جميع الموجودات؛ والعملي يبحث عنه من حيث هو باحث عن جميع الخيْرات " (31)؛ وقوله : " ولما كان الطبّ يشارك الفلسفة حتى أنه جزء من أجزائها، ويستعمل صناعة المنطق التي هي آلة له ولكل علم، وكانت فيه عبارات اختصّ الأطبّاء بوضعها والتواطؤ عليها، كنّا جدراءَ أن نودع كتابنا هذا شيْئا صالحًا مّما يفتقر الطبيب إلى معرفته من ألفاظ المنطقيين والفلاسفة " (32) .
وهذا التصوّر يجعل من قسْمي الطبّ، النظريّ والعمليّ، مبحثين فلسفييْن، ولا يختلف بذلك العملي عن النظريّ في كونه " علمًا " قائما على النظر والاستدلال العقليّ، أي على القياس البُرْهَاني . وقد أكد هذا التصوّر ابن سينا ( ت . 428 هـ / 1037 م ) في مقدمة كتاب القانون إذ قال : " إذا قيل إن من الطبّ ما هو نظري ومنه ما هو عملي فلا يجب أن يُظن أن مُرَادَهم فيه هو أنّ أحد قسمي الطبّ هو تعلّمُ العِلْم والقسْمَ الآخر هو المباشرة للعَملِ كما يذهب إليْه وهم كثير من الباحثين عن هذا الموضع . بل يحق عليْك أن تعلم أن المراد من ذلك شيء آخر، وهو أنه ليس واحد من قسمي الطبّ إلاّ علمًا، لكنّ أحدهما علم أصول الطبّ والآخر علم كيفيّة مباشرته .

_________________________
ثم يخصّ الأوّل منهما باسم العلْم أو باسم النظر ويخصّ الآخر باسم العمل . فنعني بالنظر منه ما يكون التعليم فيه مفيد الاعتقاد فقط من غير أن يتعرّض لبيان كيفيّة عمل (…)؛ ونعني بالعمل منه لا العمل بالفعل ولا مزاولة الحركات البدنية بل القسم من علم الطبّ الذي يفيد التعليم فيه رأيًا . ذلك الرأي متعلّق ببيان كيفيّة عمل (…) . فإذا علمت هذين القسميْن فقد حصل لك علم عِلْميّ وعلم عمليّ وإن لم تَعْمل قط " (33) .
وهذا التصوّر ـ كما يلاحظ ـ امْتداد للمذهب الجالينوسي وإقْرار له . وصلته بجالينوس دالة على أن الطبّ المنبني عليه قائم على القياس والاستدلال البرْهاني في كلياته وجزئياته، وفي نظريِّهِ وعمليِّه، وليْس للاختبار والتجريب فيه أثر كبير .
وقد انبنت على هذا التصوّر مؤلفات طبيّة عربية إسلامية كثيرة، إلاّ أن أهمّها وأشهرها على الإطلاق هو كتاب القانون لأبي علي ابن سينا . وهو مقسم إلى خمسة " كتب " قد أحاط فيها المؤلف بكليات الطبّ وجزئياته بحسب ما استقرّ في الثقافة الطبّية العربيّة في مرحلة التأسيس من النموذج اليوناني وخاصّة الجالِينوسي، ومَا أضَافه إلَيْه المؤسّسُون مثل يوحنا بن ماسويه وإسْحاق بن عمران وأبي بكر الرازي . والكتاب الأوَّلُ من كتب القانون الخمسة في الأمور الكلية، وقد حدّد فيه المؤلف الطبّ وعرّف الأركان والأمزجة والأخلاط، والأعْضَاءَ وتشريحها؛ وتحدث عن الأمراض حديثا مُجْملا : عن أسبابها وعلاماتها؛ ثم صنف وجوه المعالجات بحسب الأمراض الكلّية . والكتاب الثاني في الأدوية المفردة. وقد عدّ القوْل فيها أيضا من الطبّ النظريّ إذ عَنَتْه في هذا الكتاب مسألتان كبريان : أولاهما هي القوانين الطبيعيّة التي يجب أن تعرف من أمر الأدوية المستعملة في علم الطبّ، وثانيتهما هي معرفة قوى الأدوية الجزئية؛ وأمّا الكتب الثلاثة الباقية ففي الطبّ العَمَليّ. فإن الكتاب الثالث في الأمراض الجزئية الواقعة بأعضاء الإنسان عُضوٍ عُضوٍ من الفرْق ـ أيْ الرأس ـ إلى القدم ظاهرها وباطنها؛ والكتاب الرابع في الأمراض الجزئية التي إذا وقعت لمْ تختص بعُضو، وفي الزينة؛ والكتاب الخامس في تركيب الأدوية، أي في الأدوية المركبة . وإذن فإن الكتب الثلاثة الأخيرة في الأمْرَاض ومُعالجاتها .
ولم يكن ابن سينا في مجمل كتاب القانون الطبيب المستقرئ للظواهر المختبر لها، الباحث عن نتائج الاستقراء والاختبار بحسب ما تؤدّيه إليْه التجربة والملاحظة العلميّة، بل كان الفيلسُوفَ المستدلّ على الظواهر بالبراهين العقلية القياسيّة. وهو لا يرى للحسّ ـ أي الملاحظة الخالصة ـ دوْرًا إلاّ في معرفة الأعضاء ومنافعها، ويعين على تلك المعرفة الحسيّة التشريح.

__________________________________________________
ولذلك فإن الطبّ في مجمل مباحثه جزء من الفلسفة، وهو يُخَطِّئُ الأطباء الذين يعتقدون أنّ حديثهم في مسائل الطبّ النظرية من علم الطبّ : " وإذا شرع بعض المتطبّبين وأخذ يتكلم في إثبات العناصر والمزاج وما يتلو ذلك مما هو موضوع العلم الطبيعي فإنه يغلط من حيث يورد في صناعة الطبّ ما ليس من صناعة الطبّ ويغلط من حيث يظن أنه قد يبيّن شيئا ولا يكون قد بيَّنه البتة، فالذي يجب أن يتصوّره الطبيب بالماهية ويتَقَلَّدَ ما كان منه غيْر بيّن الوجوه بالهَلّيّة (34) هو هذه الجملة : الأركان أنّها هل هي وكمْ هي ؟ والمزاجات أنها هلْ هي ومَا هي وكمْ هِي؟ والأخلاَط أيْضا هلْ هي ومَا هي وكمْ هي ؟ والقوى هل هي وكَمْ هي ؟ والأرْوَاحُ هل هي وكمْ هي وأيْنَ هي؟ وأنّ لكل تغيّر حال وثَبَانِه سبَبًا؛ وأن الأسباب كم هي ؟ وأمّا الأعضاء ومَنافعها فيجب أن يصادفها بالحسّ والتشريح . والذي يجب أن يتصوّرَهُ ويبرْهن عليْه الأمْراض وأسبابها الجزئية وعلاماتها، وأنه كيف يزال المرَضُ وتحفظ الصحّة؛ فإنه يلزمه أن يعطِيَ البرهان على ما كان من هذا خَفِيَّ الوجُود بتفْصيله وتقديره وتوقيته . وجالينوس إذا حاول إقامة البرهان على القسم الأوّل فلا يجب أن يحاول ذلك من جهة أنه طبيبٌ ولكن من جهة أنه يجب أن يكون فَيْلَسُوفا يتكلم في العلم الطبيعيّ؛ كما أن الفقيه إذا حاوَل أن يثبت صحّة وجوب متابعة الإجماع فليس ذلك له من جهة ما هو فقيه ولكن من جهة ما هو متكلّم . ولكن الطبيب من جهة ما هو طبيب والفقيه من جهة ما هو فقيه ليْس يمكنه أن يُبَرْهن على ذلك بتة، وإلا وقع الدور " (35) .
وإذن فإن جالينوس في طبّه لم يكن طبيبًا بقدر ما كان فيْلَسُوفًا . ولئن أخذ ابن سينا بآرائه وبمذهبه عامّة فإنه لا يرفعه إلى منـزلة أرسطو .ولقد وجدناه في الفنّ الثامن من الطبيعيات في كتاب الشفاء ـ وموضوعه طبائع الحيوان، وفيه الكثيرُ من المادّة المشتركة بيْنه وبيْن كتاب القانون ـ يتعصّب تعصّبًا ظاهرًا لأرسطو على جالينوس . وهو يسمّى جالينوس " الطبيب الفاضل " (36) و " فَاضل الأطباء " (37) و " وَمُحَصِّل الأطباء " (38)، أمّا أرسطو فيسميه

_________________________

_________________________

" _________________________
(39) ال_________________

على أن الرازي كان فيلسوفا مثلما كان طيبًا، ولم يخلص الطبيب فيه من أثر الفيلسوف (46).
والخروج الحقيقي عن المبادئ الجاليسونية كان على أيدي الأطبّاء الذين لم يكونوا فلاسفة، وهؤلاء قد ظهروا في المشرق وفي المغرب على السّواء، لكن ظهورهم في المغرب كان أسْبق، ولعل ذلك راجع إلى ضعف الفلسفة في بلاد المغرب خلال القرون الهجرية الأولى إذ لم تُصبح مبحَثًا حقيقيا إلاّ في النصف الثاني من القرن الخامس الهجري / الحادي عشر الميلادي في الأندلس. وقد نتج عن ذلك ظهور أطبّاء لا يتعاطوْن الفلسفة . وأوّل هؤلاء وأهمّهم هو أبو جعفر أحمد بن الجزار ( ت . 369 هـ / 979 - 980 م ) الذي تخلّص الطبّ في مؤلفاته تخلصا تاما من قسمه النظري وما يقتضيه من بحث في المبادئ العامّة وفي الطبيعيات، وأصبح مُنْحَصرًا في الأمْراض ومعالجاتها إذ لم يَعْنِه غيرهما في كل كتبه الطبيّة التي وصَلتنا، وأهمّها كتاب "زاد المسافر وقوت الحاضر " . فإن هذا الكتاب في سبع مقالات مقسمة بدورها إلى أبواب جملتها 156 بَابًا قد شملت الأمراض التي تعْرض في الرأس، ثم في الوجه، ثم التي تصيب آلات التنفس، ثم التي تعرض في المعدة والأمعاء، ثم أمراض الكبد والكُلَى، وأمْراض آلات التناسل، والأمراض التي تعرض داخل الجلْد . وعدد أبوابه هو عدد الأمراض التي حلّلها ووصف طريقة معالجتها (47) . وقد لقي الكتابُ لوضوح منهجه وخلوّه من الزوائد الفلسفيّة حظوة كبيرة في القرون الوسطى الأوروبيّة فكان من الكتب العربية القليلة التي ترجمت إلى اليونانية بُعيْد وفَاة المؤلف، إضافة إلى ترجمته مرتيْن إلى اللاتينيّة ومرّتين إلى العبرية (48) .
وإذَنْ فإن ابن الجزار قد فصَل في مؤلفاته الطبيّة بيْن جزئيّات الطبّ وكلياته النظرية فأهمل الكليات إهمالا تامّا واعتنى بالجزئيات فكان الطبّ عنده عمَلاً مَوْضوعه الأمْراض وعلاجُها . وقد أصبح هذا المنـزع اتجاها ومَذْهبًا في الممارسة والتأليف، فيهما الكثير من آثار إبقراط باعتباره طبيب تجربة يستعين بالقياس، وليس فيهما من آثار جالينوس ـ باعتباره طبيب قياس يستعين بالتجربة ـ إلا ما أفاد الحديث عن تشخيص المرض وعلاجه . وتدلّنا على غلبة هذا الاتجاه الطبي الخالص جملة من الظواهر المنبئة بتسبيق التجربة على القياس والتشخيص التجريبي على التشخيص القياسي والملاحظة العلمية على الاستدلال البرهاني المجرّد .

___________________________________________
ونخص بالذكر من تلك الظواهر ثلاثا:
(1) خمول ذكر كتاب القانون لابن سينا في بلاد المغرب والأندلس والعُزوف عنه : فلقد كان لكتاب القانون بعد تأليفه انتشار واسِع في المشرق، وقد كثرت شروحه ـ وخاصّة لكلياته ـ ومختصراته . أمّا بلاد المغرب والأندلس فلم يدخلها إلاّ في أواخر القرن الخامس الهجريّ أو بداية القرن السّادس إذ نعلم أنه أُدْخِلَ في حياة أبي العلاء بن زهر (ت. 525 هـ/ 1130 م) (49)، فإن " رجلا من التجار جلب من العراق إلى الأندلس نسخة من هذا الكتاب (= القانون) قد بولغ في تحسينها فأتحف بها لأبي العلاء بن زهر تقربًا إليه . ولم يكن هذا الك
جمال الجزائري
جمال الجزائري
المدير العام
المدير العام

عدد المساهمات : 800
نقاط : 13192
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 24/01/2010
العمر : 53
الموقع : hadeqa.ahladalil.com

https://hadeqa.ahladalil.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى